عندما يكون الصمت كلامًا وتكون القدوة إلهامًا

د.أمين عبدالخالق العليمي:

عندما يتكلم الصمت بوقار، ويبوح بما تعجز عنه الكلمات، تدرك أن القلوب تصغي قبل الآذان، وأن الأرواح تُحسن الفهم حين يتجلى المعنى بلا حروف،

ماذا أقول، وكيف أكتب، حين يعجز القلم عن مسايرة الشعور، ويخون التعبير رهبة الموقف؟ وكيف أصف لقاءً امتد لساعات ثلاث، لكنه انساب كلمح البصر، كأنه لحظة خاطفة اختزلت العمر كله في نبضة؟ لقاء يشرح الصدر، ويعيدك إلى زمن جميل، زمن الإيثار والتضحيات، زمن البساطة والوفاء، زمن الرجال الذين صنعوا حضورهم بالفعل لا بالقول، بالصدق لا بالزيف، بالعمل لا بالادعاء،

مقالات ذات صلة

كان ذلك مع الهامة الوطنية، والقامة التنموية، والقدوة العملية، الشيخ عبده ناجي الصنوي، أحد رجال اليمن الكبار الذين تجاوزوا حدود المكان والزمان، ليصبحوا مدرسة في الحكمة، ومنارة في التواضع، ورمزاً يُستضاء به في زمن تكاثرت فيه الألقاب، وتاهت فيه البوصلة،

الجلوس معه رحلة في الذاكرة، عودة إلى زمن النقاء والصفاء، حيث يفيض قلبه بالمحبة قبل أن تُهديها له، وحيث يلامسك حضوره كنسيم ينعش الروح، ويملأ داخلك بالسكينة،

حديثه آفاق فكرية تفتح أبوابها أمامك، وصمته مرايا تعكس عمق التجربة، وسيرته صفحات ناصعة تجسد مسيرة رجل وطني عظيم، لم تصنعه المناصب ولا الشعارات، بل صاغته المواقف، وثبتته قيم الوفاء،

لقد كان الشيخ عبده ناجي الصنوي رجل تعاون وتنمية من طراز نادر،

في زمن كانت الحزبية فيه محظورة، كان هو وحده حزباً، يجمع الناس حوله بالمبادئ والعدل والثقة. وحين جاءت الحزبية، صار نموذجاً للانتماء المسؤول، مَن علّم الناس أن الانتماء ليس شعاراً يرفع، بل سلوك يُترجم، وإنجاز يُسجَّل، ورسالة تُؤدى، فكان رجل السياسة الحكيم، ورجل المجتمع الصادق، ورجل التنمية الذي يتحدث بإنجازاته لا بكلماته،

وإذا كان التاريخ قد حفظ أسماء الزعماء العظام، فإنه ما كان ليفعل ذلك لولا رجال أوفياء، أمثال الشيخ عبده ناجي الصنوي، الذين يتركون بصماتهم في صمت، ويصنعون الفرق بعيداً عن الأضواء، هم الركائز التي يقوم عليها بنيان الوطن، والرواسي التي تستند إليها الأجيال، رجال افعال لا اقوال،

الحديث عن شخصية بمقامه لا تختصره المقالات، ولا تفيه العبارات، فمكانته في القلوب أعمق من أن تختزل، وسيرته أنقى من أن تُغفل. ولكن يكفينا القول إننا أمام قامة وطنية نادرة، جمعت بين عقل ناضج، وقلب كبير، وروح عملية، لتصبح علامة فارقة في تاريخ وطن، ورمزاً للوفاء والإنجاز في ذاكرة مجتمع،

لقد كانت السويعات قربه كجدول رقراق يغسل مآسي الحاضر، وكريح الصبا التي تبشر بأن القادم أجمل، وان لازال هنا القدوة المضيئه،

أما لماذا أكتب عنه؟

لاني كنتُ أستعيد تلك الأيام التي مضى عليها عقدان من الزمن، حين كنتُ أجوب الشوارع في صنعاء، أقصده في مسعى لخدمة الناس، فكان قريباً وبسيطاً، يسير معنا على الأقدام دون تكلف ولا مسافات، ما اجملها ايام وما اطيبها ذكريات،

واليوم، وبعد مضي السنين، يظل في الذاكرة مثالاً للروح الخدومة، الاجتماعية، المعطاءة، والقدوه التي لا تغيّرها الأيام ولا تبهت بريقها التجارب، إن استحضار تلك المواقف لا يزيدني إلا يقيناً أن خدمة الناس هي المعنى الأسمى الذي يبقى في القلوب، وأن العطاء الحقيقي يخلّف أثراً لا يزول،

نسأل الله أن يحفظ الشيخ عبده ناجي الصنوي، ويطيل عمره في الخير والعافية، ليبقى معيناً لا ينضب من الحكمة والعطاء، ومنارة تضيء دروب الأجيال التي تبحث عن القدوة الصادقة والنموذج الملهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى